هو عنوان كتاب للصحفى والكاتب شريف عارف، أصدره هذا العام عن دار روزنامة وقدمه الكاتب الكبير وحيد حامد، وناقشناه فى إحدى جلسات معرض الكتاب لهذا العام، ضمت الأستاذ منير فخرى عبدالنور، السياسى المرموق والوزير السابق، والمفكر والدبلوماسى المخضرم د. مصطفى الفقى، والكاتب الصحفى الأستاذ محمد أمين، وكاتب هذه السطور.وقد تضمن هذا الكتاب 6 فصول، شملت مجموعة من الوثائق السرية للبوليس السياسى المصرى (اسم جهاز الأمن قبل ثورة يوليو والذى تحول بعد ذلك إلى أمن الدولة ثم الأمن الوطنى) التى كمّلت جانباً من الصورة عن تحالفات جماعة الإخوان المسلمين وممارساتها، وتقييم الأجهزة الأمنية لها، واعترافات بعض قادتها عن جرائم كثيرة ارتكبتها.
والحقيقة أن شريف عارف قدم عملاً مهماً يضاف لسلسلة كتابات مهمة قدمها فى السنوات الأخيرة ذات طابع حوارى ووثائقى. ولعل أهمية هذا الكتاب أنه تعرض لحقبة مهمة فى تاريخ مصر، عرض فيها وثائق جهات أمنية لافتة فى دقتها واحترافيتها وحرصها على الأمانة والتقييم الموضوعى حتى لو كان «الفصيل المتهم» هو الإخوان المسلمون، الذى تورط فى حوادث عنف كثيرة، ومارس عمليات إرهابية داخل مصر حتى طالت رئيس الوزراء محمود فهمى النقراشى باشا، الذى اغتاله أحد أعضاء التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين فى ديسمبر 1948.
والحقيقة أن الوثائق التى تضمنها الكتاب مدهشة ولافتة فى أنها من ناحية تدين جماعة الإخوان المسلمين، ومن ناحية أخرى تؤكد مهنية ونزاهة جهاز البوليس السياسى فى ذلك الوقت، فلا توجد وثيقة واحدة تحرض أو تختلق حوادث أو تلفق تهماً، ولا توجد لغة ثأرية بعيدة عن تقاليد أحد أعمدة الدولة الوطنية وهو جهازها الشرطى، إنما نحن أمام وثائق ورسائل لجهاز أمنى مهنى يجمع المعلومات ويؤدى عمله بنزاهة واضحة.
فمثلا الوثيقة 2664 سرى سياسى، التى جاءت فى الصفحة 47 من كتاب الأستاذ شريف عارف تقول: «حضرة صاحب العزة مدير عام إدارة عموم الأمن العام:
«أتشرف بأن أخبر عزتكم بأننا علمنا بمناسبة ما ينشر فى الجرائد هذه الأيام عن الفظائع التى يرتكبها الصهيونيون فى فلسطين ضد العرب، أن جماعة الإخوان المسلمين والشبان المسلمين ومصر الفتاة يعدون العدة للاعتداء على اليهود المقيمين بالقطر المصرى، وعلى محلاتهم التجارية، وبصفة خاصة الأثرياء منهم، وذلك انتقاما لما حدث للعرب فى فلسطين، وقد أعطينا التعليمات اللازمة للفرق لاتخاذ الاحتياطات لملاحظة الحالة والمحافظة على أرواح اليهود ومحال أعمالهم. وهذا لعزتكم للإحاطة. وتفضلوا عزتكم بقبول فائق الاحترام. حكمدار بوليس مصر 1/5 / 1948».
تعلم ضباط البوليس السياسى فى ذلك الوقت أن يدافعوا عن دولة مدنية، فحددوا من قاموا بالجرائم فى فلسطين ووصفوهم بـ«الصهاينة» لا اليهود لأنهم ينتمون لبلد يعيش فيه يهود ومسيحيون ومسلمون دافعوا عن ممتلكات اليهود وحقوقهم لأنهم مواطنون، ورصدوا مخططات الإخوان لاستهداف اليهود كجهاز أمنى محترف لجمع المعلومات بلا تحوير ولا تلفيق، وقدموها لمدير إدارة الأمن العام بكل دقة.
كتاب شريف عارف مهم، فهو يرصد جرائم كثيرة ارتكبها الإخوان، ولكنه يلقى الضوء من خلال وثائق مهمة على أداء جهاز أمنى محايد ومحترف كان اسمه «البوليس السياسى»، حتى لو سقط بسبب فشل النظام الملكى برمته، فتلك مسألة أخرى لا تنفى مهنية هذا الجهاز.
( نقلاً عن صحيفة ” المصري اليوم”)
مقالات
الكاتب الكبير علاء الديب يكتب: إيمان زائف.. ليس من روح الله
الهيئة العامة لقصور الثقافة تجد لها وظيفة واضحة فى التأكيد على هذا النوع من النشر: كتاب الإخوان للكاتب الصحفى شريف عارف.. النشر فى قصور الثقافة يعنى فى نظرى أن يصل الكتاب إلى أطراف مصر من أقصاها إلى أقصاها: ان يصل إلى الدور المعطلة التى تفتح أبوابها للشباب الذى يدخلها ـ إذا فعل ـ مترددا، ويخرج لا يجد ما يفعله. نشر هيئة قصور الثقافة يمكن أن يكون بداية تفعيل الدور وتعمير الدار.ولا موضوع الآن أهم من موقف الوطن ـ شبابه خاصة ـ مما كاد يقضى عليه. من الجماعة التى أرادت أن تقوض وجوده وأن تعيد الشعب فى أرض الوطن إلى رعايا وجوار فى قصر خليفة أو مرشد.
يقول شريف عارف فى كتابه كلمات مضيئة على لسان خالد محمد خالد، وهو إسلامى وطنى نادر لم يعد أحد يذكره كثيرا الآن يقول الكتاب: فى قلب الكفاح المسلح الذى دعى إليه الشعب بجميع فئاته وطوائفه وأحزابه فى أعقاب إلغاء الزعيم النحاس معاهدة 36، وبدا أن التخلص من الاستعمار قد لاح فجره.. انطلق الشعب فى هبة واحدة ـ يذكرها الشيوخ أمثالى ويشعرون بدماء حارة تتدفق فى عروقهم ـ الوفد واليسار واليمين والشرطة تكونت منهم كتائب خلال أيام وبدأت عمليات فدائية ضد معسكرات الإنجليز فى القناة: فى هذا المناخ الذى يغلى بالفدائية والوطنية والجهاد الحق: اجتمع مرشد الإخوان فى ذلك الوقت «حسن الهضيبي» بأكثر من 10 آلاف من الإخوان وخطب فيهم قائلا: ـ اذهبوا واعكفوا على قراءة القرآن.
كتب الكاتب المسلم القوى المستنير خالد محمد خالد فى جريدة روزاليوسف بتاريخ 30 أكتوبر 1951 مقالا بعنوان: »أبشر بطول سلامة يا جورج« يقول »الإخوان المسلمون كانوا أملا من آمالنا، لم يتحركوا، ولم يقذفوا فى سبيل الوطن بحجر ولا طوبة، وحين وقف مرشدهم الفاضل يخطب منذ أيام فى عشرة آلاف شاب قال لهم: اذهبوا وامكثوا على تلاوة القرآن الكريم. وسمعت مصر المسكينة هذا التوجيه، فدقت صدرها بيدها وصاحت: آه يا كبدي«. وبعد أن يستشهد خالد محمد خالد ببعض أقوال الرسول الكريم لصحابته الأخيار عن قيمة الوطن والجهاد من أجله يقول فى سطور مضيئة بكلام دينى وطنى مستنير. «لقد وجد الوطن فى التاريخ قبل أن يوجد الدين وكل ولاء للدين لا يسبقه ولاء الوطن فهو ولاء زائف ليس من روح الله. الوطن وعاء الدين وسناده، ولن نجد ديننا عزيزا مهيبا إلا إذا كان فى وطن عزيز مهيب، وإذا لم تبادروا إلى طرد الإنجليز فلن تجدوا المصاحف التى تتلون فيها كلام ربكم». منذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة فى النهر، سالت دماء شريفة غالية كثيرة. تغيرت أوضاع كثيرة، وتغير نوع الاستعمار، ولكن بقى المعنى الخالد »أن الولاء الذى لا يبدأ من حق الوطن: ولاء زائف ليس من روح الله». كتاب الكاتب الصحفى شريف عارف.. الإخوان فى ملفات البوليس السياسي، كتاب وثائقى يطرح أفكارا أساسية مهمة فى المواجهة الراهنة مع فكرر الإخوان الانتهازى الزائف الخالى من روح الله. تقول أفكار الكتاب ووثائقه: ان المواجهة الأمنية الراهنة مع كل قيادات الإسلام السياسى التى نبعت من فكر سيد قطب يجب أن تستمر بأكبر قدر ممكن من الانضباط والقوة والعدل. ولكن وحدها لا يمكن أن تكون كافية، بل إن أفكار تجديد الخطاب الدينى يجب أن تنزل من نطاق المناقشة الفكرية بين الدعاة والمشايخ والعلمانيين (كم هى كلمة سخيفة مبهمة) أن الشباب الذى قدم لهم الإخوان منذ عشرينيات القرن الماضي: الإسلام كغسيل للمخ، ونفى لدور العقل، ولمعنى الوطن، والخضوع المطلق للسمع والطاعة. قدموا الإسلام مرادفا للانتهازية من أجل الوصول إلي: المال.. السلطة.. الخلافة. لم يعرف شباب الإخوان سماحة الإسلام ولا عقلانيته. لم يعرفوا نور المعيشة فى ضوء روح الله التى تقود إلى التفكر فى خلقه. فى سمائه وأرضه، فى جمال وكمال خلقه ونور عبادته فى القلب منزها عن مظهر أو غرض، وتشابكت دعاوى الإسلام كما نرى الآن من كل أشكال القبح والتخلف والقسوة والزيف والانتهازية.. لم يقدم الإسلام منذ سيطر التيار القطبى وتوالد واستشرى نموذجا فكريا وعالميا واحدا يثير الفخر أو يضيء ركنا من أركان الإنسانية التى شهدت على يده مع الاستعمار أبشع مراحل التاريخ.
قالوا عن سلامة موسي: مفكر »نصراني« وتحالفوا مع الإنجليز، والملك، وايدوا معاهدة: صدقى بيفن. وركب الامام مع سليم زكى سيارته ثم قتلوه. ولا ينكر الكاتب أنهم قاموا بعملية فدائية واحدة هى عملية: عبدالرحمن البنان. الذى كان إخوانيا دفعته عواطفه الوطنية على الخروج عن تعليمات الجماعة.
من أمتع وأهم فصول الكتاب فصوله الأخيرة التى تحتوى على شهادات محمود عساف: مؤسس جهاز مخابرات الإخوان، الذى انقطعت صلته بهم بعد موت حسن البنا الذى كان موضع سره وطريقه للاتصال بعالم البوليس السياسى والشرطة والسرايا، محمود عساف: أستاذ إدارة الأعمال والإعلان يستحق دراسة مفصلة كنموذج نادر مختلف داخل غابة تحولت إلى شياطين انتهازية وشر. كذلك يؤكد المفكر اليسارى رفعت السعيد فى شهادته ما سبق أن ردده بكل وضوح: وهو أن مجرد التفكير داخل الجماعة خروج عن مبدأ السمع والطاعة، وأن الدعوة الإخوانية قائمة علي: تدمير الشخصية فى المقام الأول! فى الكتاب أيضا دراسة مضيئة عن لغز حريق القاهرة فى 26 يناير 51، وضوء مهم على واحد من أشرف وأهم التنظيمات الوطنية التى تفرعت عن حزب الوفد العريق: وهو الطليعة الوفدية وزعيمها عزيز فهمى فى حديث خاص وشهادة كاملة للدكتور عبدالمحسن حمودة. يقدم البورسعيدى الوطني: شريف عارف: كتاب موفق صدر فى توقيت مناسب وبشكل طيب: وفى المكان المناسب: هيئة قصور الثقافة (الثقافة الجماهيرية سابقا) ورحم الله أيام اليسارى الراحل: سعد كامل.
( نقلاً عن صحيفة الأهرام)