الهيئة العامة لقصور الثقافة تجد لها وظيفة واضحة فى التأكيد على هذا النوع من النشر: كتاب الإخوان للكاتب الصحفى شريف عارف.. النشر فى قصور الثقافة يعنى فى نظرى أن يصل الكتاب إلى أطراف مصر من أقصاها إلى أقصاها: ان يصل إلى الدور المعطلة التى تفتح أبوابها للشباب الذى يدخلها ـ إذا فعل ـ مترددا، ويخرج لا يجد ما يفعله. نشر هيئة قصور الثقافة يمكن أن يكون بداية تفعيل الدور وتعمير الدار.ولا موضوع الآن أهم من موقف الوطن ـ شبابه خاصة ـ مما كاد يقضى عليه. من الجماعة التى أرادت أن تقوض وجوده وأن تعيد الشعب فى أرض الوطن إلى رعايا وجوار فى قصر خليفة أو مرشد.
يقول شريف عارف فى كتابه كلمات مضيئة على لسان خالد محمد خالد، وهو إسلامى وطنى نادر لم يعد أحد يذكره كثيرا الآن يقول الكتاب: فى قلب الكفاح المسلح الذى دعى إليه الشعب بجميع فئاته وطوائفه وأحزابه فى أعقاب إلغاء الزعيم النحاس معاهدة 36، وبدا أن التخلص من الاستعمار قد لاح فجره.. انطلق الشعب فى هبة واحدة ـ يذكرها الشيوخ أمثالى ويشعرون بدماء حارة تتدفق فى عروقهم ـ الوفد واليسار واليمين والشرطة تكونت منهم كتائب خلال أيام وبدأت عمليات فدائية ضد معسكرات الإنجليز فى القناة: فى هذا المناخ الذى يغلى بالفدائية والوطنية والجهاد الحق: اجتمع مرشد الإخوان فى ذلك الوقت «حسن الهضيبي» بأكثر من 10 آلاف من الإخوان وخطب فيهم قائلا: ـ اذهبوا واعكفوا على قراءة القرآن.
كتب الكاتب المسلم القوى المستنير خالد محمد خالد فى جريدة روزاليوسف بتاريخ 30 أكتوبر 1951 مقالا بعنوان: »أبشر بطول سلامة يا جورج« يقول »الإخوان المسلمون كانوا أملا من آمالنا، لم يتحركوا، ولم يقذفوا فى سبيل الوطن بحجر ولا طوبة، وحين وقف مرشدهم الفاضل يخطب منذ أيام فى عشرة آلاف شاب قال لهم: اذهبوا وامكثوا على تلاوة القرآن الكريم. وسمعت مصر المسكينة هذا التوجيه، فدقت صدرها بيدها وصاحت: آه يا كبدي«. وبعد أن يستشهد خالد محمد خالد ببعض أقوال الرسول الكريم لصحابته الأخيار عن قيمة الوطن والجهاد من أجله يقول فى سطور مضيئة بكلام دينى وطنى مستنير. «لقد وجد الوطن فى التاريخ قبل أن يوجد الدين وكل ولاء للدين لا يسبقه ولاء الوطن فهو ولاء زائف ليس من روح الله. الوطن وعاء الدين وسناده، ولن نجد ديننا عزيزا مهيبا إلا إذا كان فى وطن عزيز مهيب، وإذا لم تبادروا إلى طرد الإنجليز فلن تجدوا المصاحف التى تتلون فيها كلام ربكم». منذ ذلك الحين جرت مياه كثيرة فى النهر، سالت دماء شريفة غالية كثيرة. تغيرت أوضاع كثيرة، وتغير نوع الاستعمار، ولكن بقى المعنى الخالد »أن الولاء الذى لا يبدأ من حق الوطن: ولاء زائف ليس من روح الله». كتاب الكاتب الصحفى شريف عارف.. الإخوان فى ملفات البوليس السياسي، كتاب وثائقى يطرح أفكارا أساسية مهمة فى المواجهة الراهنة مع فكرر الإخوان الانتهازى الزائف الخالى من روح الله. تقول أفكار الكتاب ووثائقه: ان المواجهة الأمنية الراهنة مع كل قيادات الإسلام السياسى التى نبعت من فكر سيد قطب يجب أن تستمر بأكبر قدر ممكن من الانضباط والقوة والعدل. ولكن وحدها لا يمكن أن تكون كافية، بل إن أفكار تجديد الخطاب الدينى يجب أن تنزل من نطاق المناقشة الفكرية بين الدعاة والمشايخ والعلمانيين (كم هى كلمة سخيفة مبهمة) أن الشباب الذى قدم لهم الإخوان منذ عشرينيات القرن الماضي: الإسلام كغسيل للمخ، ونفى لدور العقل، ولمعنى الوطن، والخضوع المطلق للسمع والطاعة. قدموا الإسلام مرادفا للانتهازية من أجل الوصول إلي: المال.. السلطة.. الخلافة. لم يعرف شباب الإخوان سماحة الإسلام ولا عقلانيته. لم يعرفوا نور المعيشة فى ضوء روح الله التى تقود إلى التفكر فى خلقه. فى سمائه وأرضه، فى جمال وكمال خلقه ونور عبادته فى القلب منزها عن مظهر أو غرض، وتشابكت دعاوى الإسلام كما نرى الآن من كل أشكال القبح والتخلف والقسوة والزيف والانتهازية.. لم يقدم الإسلام منذ سيطر التيار القطبى وتوالد واستشرى نموذجا فكريا وعالميا واحدا يثير الفخر أو يضيء ركنا من أركان الإنسانية التى شهدت على يده مع الاستعمار أبشع مراحل التاريخ.
قالوا عن سلامة موسي: مفكر »نصراني« وتحالفوا مع الإنجليز، والملك، وايدوا معاهدة: صدقى بيفن. وركب الامام مع سليم زكى سيارته ثم قتلوه. ولا ينكر الكاتب أنهم قاموا بعملية فدائية واحدة هى عملية: عبدالرحمن البنان. الذى كان إخوانيا دفعته عواطفه الوطنية على الخروج عن تعليمات الجماعة.
من أمتع وأهم فصول الكتاب فصوله الأخيرة التى تحتوى على شهادات محمود عساف: مؤسس جهاز مخابرات الإخوان، الذى انقطعت صلته بهم بعد موت حسن البنا الذى كان موضع سره وطريقه للاتصال بعالم البوليس السياسى والشرطة والسرايا، محمود عساف: أستاذ إدارة الأعمال والإعلان يستحق دراسة مفصلة كنموذج نادر مختلف داخل غابة تحولت إلى شياطين انتهازية وشر. كذلك يؤكد المفكر اليسارى رفعت السعيد فى شهادته ما سبق أن ردده بكل وضوح: وهو أن مجرد التفكير داخل الجماعة خروج عن مبدأ السمع والطاعة، وأن الدعوة الإخوانية قائمة علي: تدمير الشخصية فى المقام الأول! فى الكتاب أيضا دراسة مضيئة عن لغز حريق القاهرة فى 26 يناير 51، وضوء مهم على واحد من أشرف وأهم التنظيمات الوطنية التى تفرعت عن حزب الوفد العريق: وهو الطليعة الوفدية وزعيمها عزيز فهمى فى حديث خاص وشهادة كاملة للدكتور عبدالمحسن حمودة. يقدم البورسعيدى الوطني: شريف عارف: كتاب موفق صدر فى توقيت مناسب وبشكل طيب: وفى المكان المناسب: هيئة قصور الثقافة (الثقافة الجماهيرية سابقا) ورحم الله أيام اليسارى الراحل: سعد كامل.
( نقلاً عن صحيفة الأهرام)